--------------------------------------------------------------------------------
(1)
الطفرة الاقتصادية التي حدثت في بدايات السبعينات الميلادية الماضية في مجتمعنا كان لها الأثر الكبير في تغيير الكثير من ملامح المجتمع البسيط ونسيجه الثقافي.
ذلك الإنسان البسيط الذي لم يكن يعرف طريقا ثالثا بين مسجده ومزرعته , وجد نفسه فجأة في بيت مسلح من الإسمنت تقف أمام بابه سيارة فارهة جديدة تنقله حيث شاء !
..................................................
(2)
في ثمانينات القرن الماضي , وفي عز طفرة مجتمعنا الاقتصادية حدثت طفرة من نوع آخر , طفرة خطاب ثقافي معين.
إنه ما يسمى بخطاب الصحوة.
وكان هناك صراع وجود بين أكبر قوتين في العالم في ذلك الوقت , روسيا من جانب , وأمريكا من جانب آخر.
وشاءت الأقدار أن تكون أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي مسرحا ميدانيا لهذا الصراع , ولتصفية الحسابات بين الدب الشيوعي والمارد الرأسمالي.
كانت أفغانستان أشبه ما تكون بطاولة يجلس على طرفيها اثنان , أحدهما يمثل روسيا , والآخر يمثل أمريكا , وبينهما على الطاولة مجموعة من رقع الشطرنج التي يحركها كل طرف منهما من أجل الانتصار على خصمه.
وكنا للأسف الشديد من حيث لا نشعر هذه الرقع الشطرنجية التي أخذت أمريكا تحركها وتتلاعب بها يمنة ويسرة من أجل تصفية حساباتها مع خصمها العنيد.
وكان بعض رموز التيار الصحوي في بلادنا رقعا للشطرنج من حيث لا يشعرون !
حررنا أفغانستان من الروس لتتسلمها أمريكا هدية باردة في عام 2001م !!
انتهت الحرب الروسية الأمريكية في أفغانستان في نهاية الثمانينات بتحرير أفغانستان ودخولها في دوامة جديدة أخرى من الصراعات , وبهزيمة الروس وسقوط النظام الشيوعي , وبانتصار أمريكا على كافة الأصعدة !
خرجت أمريكا من بؤرة الصراع فور انتهاء مهمتها وحصولها على مرادها من هزيمة روسيا من غير أن توقف كرة الجليد التي دحرجتها في تلك الحرب من أجل استدرار العطف الشعبي الإسلامي وجعله وقودا لذلك الصراع.
كرة الجليد تلك أخذت تتدحرج وتكبر إلى أن أصبحت شيئا مهولا وضخما لا تمكن السيطرة عليه , حتى اصدمت تلك الكرة الضخمة بالكبرياء الأمريكي بعد 12 سنة من ذلك التاريخ عبر أحداث 11/سبتمبر التي غيرت خريطة العالم أجمع !
................................................
(3)
الخطاب الصحوي المحلي الذي كان مسيطرا على المنابر الثقافية والفكرية في المجتمع , بدأ في مرحلة جديدة من الصراع مع الذات .
إنها مرحلة ما بعد 11/سبتمبر , أو صحوة ما بعد 11/سبتمبر ..
وبدأت المراجعات..
وبدأ الكثير من المستور والمخفي يظهر على سطحنا الثقافي ..
و وجد الناس فرقا شاسعا بين بين خطاب صحوة الثمانينات والتسعينات الميلادية , وخطاب صحوة ما بعد 11/سبتمبر , من نفس الرموز الصحوية ذاتها !
إضافة إلى ظهور تيار جديد كان له حضوره القوي , وهو تيار الصحويون المتحولون أو الصحويون السابقون , الذين أصبحوا يسطرون ذكرياتهم ومشاهداتهم وتجاربهم السابقة مع التيار الصحوي بلغة نقدية لذلك الخطاب..
و من ثم كان لهم صوت مسموع هو أشبه ما يكون بــ"صرخة من الداخل"!!
فضاء الانترنت الواسع أتاح الحرية الكاملة لمن أراد أن يقوم بنقد أو خلخلة ذلك الخطاب , عبر القيام ببعض المراجعات أو خطابات النقد أو حتى مجرد إثارة أسئلة حول الصحوة التي كان مثل ذلك في الماضي من المحرمات والموبقات التي لا يجرؤ عليها أحد .
..................................................
(4)
بعد كل هذه السنين التي كشفت لنا أننا لم نكن إلا رقعة شطرنج تحركها أمريكا , وأننا كذلك لم نكن إلا رقعة شطرنج يحركها الخطاب الصحوي الذي يسعى إلى فرض أجندة معينة على الواقع للوصول إلى طموحات الخلافة الإسلامية .
وجدنا أنفسنا بعد ذلك في مرحلة من الوعي جعلت الكثير من الذين كانوا رقع شطرنج سابقا يتحدثون ويتكلمون ويصرخون ووو....الخ
فضاء الانترنت الفسيح فتح المجال لتك الرقع الشطرنجية السابقة أن تتحدث فيه عن أفكارها ورؤاها ومشاهداتها بكل حرية .
...............................................
(5)
هل تعرف ما معنى أن تتحدث رقعة شطرنج ؟
معناه أن تحبس شخصا في نفق مظلم طيلة سنين طويلة وأنت تقول له كل يوم : الشمس لونها أخضر , والسماء لونها أسود , والعصافير تبيض ذهبا...
ليكسر الأغلال بعد ذلك ويحطم القيود , ويكتشف أن الشمس ليس لونها أخضر , وأن السماء ليس لونها أسود , وأن العصافير لا تبيض ذهبا...
ليصرخ بعد ذلك من الأعماق , وليكتشف بعدها أنه لم يكن إلا رقعة شطرنج!
وليكفر بعد ذلك بكل نفق مظلم , وليبدأ ببناء إيمانه بنفسه من جديد....
من مواضيعه في المنتدى
0 رقعة شطرنج تتحدث...
0 كارثة إنسانية بحق نساء السعودية
0 لـــوطي تائب >> لماذا لانسمعها مثل مفحط تائب ؟؟؟